إن عملية إدرار الحليب في ثدي الأم المرضع
تتم من خلال آلية فيزيولوجية بالغة الدقة والتعقيد ، وهي هبة الله تعالى
لمخلوقاته الصغار .. فالطفل الرضيع عندما يشم رائحة الحليب يدور برأسه
باحثا عن مصدر الحليب ، وهذا المنعكس يسمى منعكس البحث والتنقيب Rooting
Reflex ، فإذا لامس خده حلمة الثدي ، فتح فمه فوراً والتقم هذه الحلمة ،
وبمجرد ملامسة هذه الحلمة لسقف حلق الرضيع ينشط منعكس آخر هو منعكس المص
Sucking Reflex ، وما هو في الحقيقة إلا عملية عصر الجيوب الحليبية في
منطقة الهالة فيتدفق منها الحليب إلى فم الطفل ، فإذا لامس الحليب فم الطفل
بدأ منعكس آخر هو منعكس البلع Swallowing Reflex. وهكذا يتوالى تدفق الحليب
، وتتم رضاعة هذا المخلوق الضعيف …
ويجب أن يكون معلوما للأم المرضع ، بأن أفضل مدرر للحليب هو رضاعة الطفل من
ثدي أمه بشكل منتظم بحيث يفرغ كامل الثديين ، وكلما كانت قدرة الطفل على
المص أكبر ، وحاجته للحليب أكثر ، كلما كان إدرار الحليب أفضل ، ولذلك كلما
كبر الطفل وتقدمت عملية الإرضاع كان الحليب أكثر ، وبالعكس فالحليب يقل إذا
لم يرضعه الطفل وبقي مخزونا في صدر أمه . ولعل من أهم عوامل عدم كفاية حليب
الأم هي : فقدان الأم للدعم والتشجيع ، وانعدام ثقتها بنفسها ، واعتقادها
بعدم وجود حليب كافٍ فيها لإشباع رضيعها ( أي عوامل نفسية محبطة ) . ثم ضعف
الطفل نفسه على مص الحليب وإفراغه من الثديين لأي سبب من الأسباب . من هنا
كانت العوامل النفسية مهمة جدا للمرأة المرضع وخاصة ذات الطفل الأول ،
فالإيمان والسعادة والهدوء والاسترخاء والثقة ، من أهم عوامل إدرار الحليب
، والعكس مع الخوف والقلق والتوتر.
وعلى الطبيب الحاذق أن يلحظ كل شواغل الأم ، ويزيل كافة أسباب قلقها ،
ويجيب على كامل تساؤلاتها. فالأم تقلق وتخاف من أن طفلها يمكن أن يكون قد
أصابه شيء غير طبيعي عندما : يبكي ، أو ينام كثيرا ، أو يعطس ، أو يقلس
الحليب ( نوع من التقيؤ الخفيف ) …إلخ .
فإذا جاءها التطمين من الطبيب بأن الطفل يبكي لأنها الوسيلة الوحيدة لديه
للتعبير عما يريد ، فلا داعٍ للخوف من البكاء ما لم يخرج عن حدوده المعقولة
، بدليل أنه يسكت عندما تلبي الأم حاجته من رضاعة وتنظيف وحمل من المهد …
إلخ
وكذلك النوم للمواليد الجدد أمر طبيعي ، فمعدل نوم المولود الجديد قد يصل
إلى أكثر من ستة عشر ساعة يوميا للأيام والأسابيع الأولى ، وخاصة إذا كانت
أمه قد تناولت مهدئات أثناء الولادة ، ثم يقل بالتدريج ليصل إلى حوالي
أربعة عشر ساعة يوميا في نهاية السنة الأولى ، وهكذا ، فلا داعي للقلق من
هذه الناحية أيضا .
وأما العطاس ، فهو منعكس فيزيولوجي طبيعي لتنظيف المجاري التنفسية ، وكذلك
القلس ( نوع من التقيؤ الخفيف )، أمر فيزيولوجي طبيعي ناجم عن رخاوة ولادية
بسيطة في الصمام الفاصل ما بين المريء والمعدة ، سرعان ما يزول مع مرور
الوقت ( غالبا في النصف الثاني من السنة الأولى) ، وهو غير مؤثر على نمو
الطفل.
والأم تقلق وتخاف من أن لا يكون حليبها
كافٍ وجيد لطفلها ، وتقلق أكثر عندما لا ترى أي حليب في ثديها في الأيام
الأولى ، ما عدا بضع قطرات من مادة صمغية صفراء ، فإذا ما علمت بأن هذا هو
السياق الطبيعي للأمور ، وبأن هذه المادة الصفراء ، التي هي اللبأ
Colostrum ضرورية جدا لصحة الطفل ومناعته ، فإنها ستهدأ وترتاح بالتأكيد.
وكذلك تقلق وتخاف من احتقان الثدي وألم
الحلم الناتج عن التدفق المفاجئ للحليب اعتبارا من اليوم الرابع ، وهذا أمر
طبيعي أيضا ، فالحليب لا يدر إلا بعد إعطاء فرصة لمعدة الطفل أن تتوسع
وتلفظ ما فيها من أوشاب كان الطفل قد ابتلعها وهو داخل رحم أمه ، وبالتالي
تكون جاهزة لاستقبال الحليب ، ويكون الطفل نفسه مستعدا للرضاعة بعد أن
تأقلم مع الوضع الجديد ، واستراح من معانات رحلته المريرة وكثير من الأمهات
لا يرتحن لإرضاع أطفالهن في جو مفتوح وأمام الغرباء ، وهذا أمر عادي في
مجتمعاتنا المحافظة ، وما أسهل أن تجد الأم المرضع مرطا يسترها ويستر
رضيعها أثناء الرضاعة .
وأمهات يقلقن لنزول أوزان أطفالهن في الأسبوع الأول عن معدله لحظة الولادة
، وهذا أمر طبيعي ومتوقع ، إذا علمنا بأن الطفل في هذه الفترة غير ميال
للرضاعة ، ويفضل الخلود للراحة والنوم ، في الوقت الذي يفقد فيه السوائل من
خلال عملية التبخر عبر سطح جلده الواسع نسبيا ، وخاصة في أجوائنا الحارة ،
من هنا فقد أكدنا في فقرة سابقة على ضرورة الانتباه لهذه النقطة بالذات ،
والتفريق ما بين أجوائنا وأجواء البلاد التي درسنا فيها أو قرأنا كتبها ،
وبالتالي عدم حرمان أطفالنا الأعزاء من قطرات الماء في صيف تموز المحرق ،
وتعريضهم لما لا تحمد عقباه بدون مسوغ.
وأمهات يقلقن وهن في المستشفى ، حيث يفكرن بالبيت والأولاد من بعدهن.
وأمهات يقلقن من مغادرة المستشفى وابتعادهن عن دعم الطبيب والممرضة ، وخاصة
إذا كان المولود الأول
|